الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين أما بعد... نتكلم في هذا الدرس إن شاء الله ـ تعالى ـ عن مفاتح الغيب: هذه مفاتح الغيب، وسميت مفاتح لأن كل واحد منها فاتحة لشيء بعده: علم الساعة لا يمكن لأحد أن يدركه إلا الرب ـ عز وجل ـ، فها هو أفضل الرسل من الملائكة جبريل يسأل أفضل الرسل من البشر محمدًا، صلى الله عليه وسلم، يقول: أخبرني عن الساعة؟ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل). أي علمي وعلمك فيها سواء، فكما أنك لا تعلمها فأنا كذلك لا أعلمها، ولهذا من ادعى علم الساعة فهو مكذب للقرآن، ومكذب للسنة، ومكذب لإجماع المسلمين وخارج عن المسلمين. يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ: ومن صدق من ادعى علم الساعة فهو كافر أيضًا، لأن من صدق من يكذب بالقرآن أو بالسنة فقد كذب القرآن والسنة، وعلى هذا فلا يمكن أن نصدق شخصًا يدعي أنه يعلم متى تكون الساعة، ومن صدقه فهو كافر لتكذيبه الكتاب والسنة وإجماع المسلمين. لكن هل للساعة علامات؟ فالجواب: نعم قال ـ تعالى ـ: ولكن قد يقول قائل: ما الحكمة في أن الله ـ عز وجل ـ قال في الساعة: لكن الحكمة والله أعلم أن الذي ينفع الناس ويستفيد الناس منه ويلمسونه بأيديهم هو الغيث وهو الذي يكون مفتاحًا لحياة الأرض. إذًا لا يعلم متى ينزل المطر إلا الله، لأن الذي ينزل المطر والغيث هو الله. لكن يرد علينا أننا نسمع في الإذاعات، يقولون: سينزل غدًا مطر في جهات معينة، فهل هذا ينافي أن علم نزول الغيث خاص بالله؟. فالجواب: أن هذا يشكل على كثير من الناس، فيظن أن هذه التوقعات ـ التي تذاع في الإذاعات ـ يظن أنها تعارض قول الله ـ تعالى ـ: أولًا: قوله ـ تعالى ـ: ولكن يشكل على هذا أنه في عصرنا الحاضر توصل الطب إلى أن يعلم أن مافي بطن هذه الأنثى ذكر أو أنثى فهل يبقى معارضة في الآية؟ فالجواب: أنه ليس هناك معارضة للآية، لأنهم لا يعلمون أنه ذكر أو أنثى إلا بعد أن يكون ذكرًا أو أنثى، أما قبل ذلك فلا يستطيعون العلم بأنه ذكر أو أنثى، وإذا كان ذكرًا أو أنثى وخلق ذكرًا أو خلق أنثى فإنه يكون من عالم الغيب عند أكثر الناس، ويكون من عالم الشهادة عند من يحصل له العلم بذلك، فالملك مثلًا يرسله الله ـ تعالى ـ إلى الرحم، ويعلمه الله ـ عز وجل ـ أنه ذكر أو أنثى، يقول: يارب ذكر أو أنثى فيأمره الله ـ تعالى ـ بما أراد، فصار هذا علم شهادة بالنسبة للملك، وقبل أن يكون ذكرًا أو أنثى فهو علم غيب حتى بالنسبة للملائكة. إذًا يكون علم شهادة بواسطة تقدم الطب لا يعارض الآية الكريمة. وبهذه المناسبة أود أن أقول لكم: كل ما جاء به القرآن، وصحت به السنة، فإنه لا يمكن أن يعارض الواقع. وانظر إلى التعبير بقوله: فأنت قد تخطط لعمل مستقبل كغد مثلًا، لكن لا تكسبه، فقد يحول بينك وبينه مانع من موت، أو مرض، أو شغل آخر ترى أنه أقدم منه أو ما أشبه ذلك. وصدق الله فلا أحد يستطيع أن يحكم بأنه سيموت في الأرض الفلانية، فقد يقول الإنسان: أنا لن أخرج من بلدي فسأموت في بلدي، لكن هذا قد لا يتم فأحيانًا يكون الإنسان في بلده لا يخرج أبدًا منها، فيمرض، وتحدثه نفسه وتحدوه همته وعزيمته إلى أن يسافر للعلاج، فإذا وصل إلى البلد الذي قرر أن يتعالج فيه مات فور وصوله، وهذا موجود ويحدث إذًا فهو لا يعلم بأي أرض يموت، ومن باب أولى أيضًا فإنه لا يعلم في أي وقت يموت، لأن الإنسان يتصرف في مكانه، فربما يقول قائل: إذا أحس بالموت ورأى أنه لا شفاء له مثلًا قال: أذهب إلى الأرض الفلانية وأموت فيها، فإذا كان لا يعلم هذا فما بالك بالزمن الذي لا يمكن تحديده أبدًا؟! فالذي لا يعلم المكان لا يعلم الزمان من باب أولى. ولقد جرت مسألتان إحداهما أدركتها أنا، والثانية حدثت بها من ثقة. أما الأولى: فإنه كان راكبان على دباب ـ دراجة نارية ـ يمران بشارع فرعي، وهناك سيارة تمر بالشارع العام، فلما رأى صاحب السيارة هذا الدباب وقف من أجل أن يعبر الدباب، والراكبان على الدباب لما رأيا السيارة وقفا لتعبر السيارة، فهذا تصرف سليم، لكنه في خلال دقيقة أو دقيقتين تحركت السيارة وتحرك الدباب واصطدما، فمات أحد الراكبين، فبماذا نفسر هذه الواقعة؟ نفسرها بأن هذا الرجل الذي مات بقي له من عمره دقيقتان أو دقيقة، لو شاء الله ـ عز وجل ـ لعبر كل من السيارة والدباب بسلام، أو لعبرا من أول ما التقيا بسرعة وحصل الحادث، لكن حصل التوقف لمدة دقيقة أو دقيقتين من أجل أن يستكمل الأجل لهذا الذي مات، وهذه من آيات الله ـ عز وجل ـ قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها). أما المسألة الثانية: فقد حدثني بها من أثق به، فقد كان الناس في السابق يأتون مكة عن طريق البر على الجمال وكان الناس في ذلك الوقت ينزلون جميعًا ويسيرون جميعًا، لأن البلاد غير آمنة تمامًا، يقول: فخرج الحجاج إلى مكة، وكانوا يمشون في الريعان ـ أي الجبال والأودية ـ على حدود الحجاز من نجد، وكان أحد القوم معه أمه مريضة وهو يمرضها، فسار الناس من مكان نزولهم ليلًا، وهو جالس يمرض أمه، ويمهد لها الفراش من أجل أن تنام على الراحلة مستقرة، ولما أكمل رحل المركب لأمه مشى، ولكنه أخطأ القوم، لأنهم تجاوزوا كثيرًا، يقول: فدخل في طريق جادة صغيرة مع أحد الريعان، وصار يمشي وهو يظن أنه على إثرهم حتى ارتفعت الشمس، وخاف على نفسه من العطش، فتبدى ـ ظهر ـ له خباء بدو ـ أي خيمة صغيرة ـ فاتجه إليها ووصل إليهم، وقال: أين طريق الحجاج؟ قالوا له: طريق الحجاج وراءك، لكن انزل أنت والمرأة معك حتى تستريح وندلك فنزل بأمه يقول: فما أن وضع أمه على الأرض حتى فاضت روحها، سبحان الله العظيم، فمن يقول: إن امرأة من القصيم تأتي إلى الحجاز إلى هذه الأماكن التي قد لا يحلم أن يصل إليها، حتى تموت في هذا المكان؟! هذه مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا الله ـ عز وجل ـ. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
|